السبت، آب ٢٧، ٢٠١١

باركوا للشعب العراقي


 
خالد النزر  خالد النزر كاتب وباحث سعودي    اليوم مع سقوط طاغية ليبيا تذكرت باقي الطغاة, ومع فرحة الشعب الليبي تذكرت فرحة باقي الشعوب. تذكرت فرحة غص بها أصحابها, لم يبارك لهم أحد!, لماذا؟ إن طاغيتكم سقط بأيدي الأجانب وليس بأيديكم. وماذا عن ليبيا اليوم؟؟ وماذا عن 19000 طلعة جوية حتى تاريخ 20/8/2011م؟ هل كان العيب في الشعب العراقي أم في العقول التي نغصت عليه فرحته آنذاك, وهي اليوم تبارك للشعب الليبي, في يوم الفتح الذي يذكرهم بيوم فتح مكة؟؟    أحد علماء الدين السعوديين الكبار, والذي كان له زيارات متعددة لليبيا في السابق, يبدو أنه "ذهيناً" وملتفتاً لهذا الأمر, فوجدته اليوم كاتباً عبارة عريضةً على صفحته الخاصة في الفيسبوك, يقول فيها: "شعب ليبيا موحد واضح الهوية، وأرض ليبيا معطاء غنية، وحظوظ النجاح بإذن الله قوية". مسكين الشعب العراقي فلم يكن واضح الهوية!!. يا له من مبرر!! للأسف أن التعدد والتنوع هو ما يصبح عيباً وعاراً على شعوبناً, لذلك تم العمل على الشعب العراقي طيلة السنوات الماضية من تفجيرات وسفك للدماء وقتل على الهوية!! إنه شعب بلا هوية!!.    مضى عشرون عاماً على قيام ثورة الشعب العراقي عام 1991م أو ما يعرف بالانتفاضة الشعبانية أو ما كان يعرف في الإعلام العراقي بالغوغاء والفوضى. أشعل الثورة جندي عراقي عائداً من الكويت إلى وطنه, يجر بندقيته, آخر ما تبقى له من حطام الجيش العراقي العظيم الذي حرقته الطائرات الأمريكية دون أن يطلق رصاصة واحدة من تلك البندقية. وقف الجندي وهو مجهول الهوية سنيا كان أم شيعيا أو مسيحي أو ربما كردي فالجيش لم يتوقف عن تجنيد المسيحيين والأكراد من سكان مناطق الشمال حتى ما بعد 1991م. وقف الجندي وقدماه متقرحه من السير من الكويت للبصره، وقف يحدّق في جداريه فنيه للرئيس والقائد صدام حسين وهو يعمر مدينه الفاو في منتصف البصره، وقف الجندي ونظر للصورة ملياً, فسحب زناد بندقيته ليفرغ رصاصاتها المكبوته في وجه الصورة على مرآى ومسمع الناس, لتنطلق الثورة يومها من محافظة البصرة(1). رغم كل ما عانت منه هذه الثورة من تجاهل ونسيان, أو محاولة لتحجيمها حتى أصبحت مجرد انتفاضة!!, إلا أنها كانت تعبر عن صوت مخنوق لشعب عربي أراد الحرية يوماً. كتب أحد أبناء مدينة الناصرية وهي آخر مدينة استطاع صدام السيطرة عليها بتاريخ 23/3/1991م, أنه منذ اليوم الأول سيطر الثوار على الحامية العسكرية في الناصرية بعد محاصرتها واستسلام من فيها وهم "50" مقاتل تم اطلاق سراحهم بعد ان تم الاتفاق معهم بألقاء السلاح مقابل اخلاء سبيلهم. رئيس اركان الجيش السابق (نزار الخزرجي) والوفد المرافق له الذي كان مكلف من قبل الحكومة العراقية بالذهاب إلى قوات التحالف والتفاوض معهم في وقف أطلاق النار بمدينة سفان وفي هذه المعركة قدم أبناء المحافظة الكثير من الشهداء و الجرحى أنتهت بانتصار الثوار على عصابة نزار الخزرجي وتم اسره ونقلة إلى مستشفى الناصرية حيث جرح في هذه المعركة جرحاً عميقاً ووضعت علية حراسة مشددة من قبل الثوار. وكذلك تم اسر كبار معاونيه من ضباط وأفراد, ومن أسرته أيضاً. وتمت السيطرة الكاملة على محافظة الناصرية. وكذلك تم السيطرة على مديرية المخابرات وأسر العاملين فيها, وأسر مدير أمن الناصرية والمخابرات. أما بالنسبة إلى ما قام به الثوار في المدينة بعد ذلك فتتلخص في: 1- تشكيل محكمة فورية أدت الى إقالة محافظ الناصرية وبعض معاونيه, 2- تشكيل لجان لحماية الممتلكات العامة وتعيين حراس الليل, 3- صرف رواتب الموظفين والعاملين, 4- حماية البنوك والبريد والمحكمة, 5- توزيع حصص المواد الغذائية, 6- تعين وجبات غذائية للثوار تنقل لهم من مدينة سوق الشيوخ إلى مركز المدينة, 7- تشكيل لجنة للاتصال و التحاور مع التحالف, 8- إنشاء سجن للمعتقلين والأسرى إلى حين تقديمهم للمحكمة وكان مقر السجن في منطقة كرمة بني سعيد والآخر في قضاء سوق الشيوخ(2).      هذه بعض معالم تلك الثورة التي ليس لها ذكر اليوم في القواميس العربية إلا ربما باسم انتفاضة, ويا لها من انتفاضة!!. تم قمعها بأبشع الصور وباستخدام طائرات الهيلوكبتر, وبقصف المساجد التي تجمّع بها النساء والأطفال والشيوخ والأبرياء. وعلى رأسهم المسجدان الذان يحويان ضريحي الإمام الحسين ريحانة رسول الله, وأخيه العباس بن علي, ولم نسمع مسلم آنذاك ينبس ببنت شفه, وقد ذهب ضحية تلك الوحشية من مناطق الجنوب فقط أكثر من 300000 عراقي, منهم من وجدوا جثثهم لاحقاً في المقابر الجماعية ومنهم من ينتظر يوم يبعثون. ولولا فيلم الفيديو اليتيم الذي أنتجته البي بي سي عن تلك الأحداث لما استطعنا تخيل ما جرى    لقد سقط الطاغية عام 2003م على أيدي الأمريكان الذين هم بأنفسهم من سمحوا للطائرات العراقية بسحق الشعب في تلك الثورة, لقد وُجد القائد العظيم في جحر, ولا نعلم حتى الآن أين سيوجد القائد العظيم الآخر معمر القذافي؟. ولكن لا بد أن قناة الجزيرة ستخبرنا بمصيره أولاً بأول, فهي تبارك وتطبل وتزمر اليوم للشعب الليبي وهو يستحق ذلك. أما الشعب العراقي فكان يستحق منها التخوين والعمالة وكان سقوط بغداد "الرشيد" هو يوم حزن وكآبة يذكر بسقوط بغداد على أيدي التتار, أما سقوط طرابلس اليوم فهو يوم يذكر بفتح مكة المكرمة, ولم يعد للناتو أي ذكر. فهل من مذكر؟؟ أقول اليوم لمن يباركون للشعب الليبي, ولم يباركو للشعب العراقي, فلتتجردوا من الهويات الضيقة, يكفيكم هويتكم الإنسانية لتخجلوا من أنفسكم, وتباركوا للشعب العراقي..
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق